النشـرة الفنيـة
موسيقـى
وغنـاء
مفهوم "الشيخة" في مجتمعنا ... كما كتب عنه شيخ
العيطة الفنان الشعبي الحسين السطاتي

أكتب هذا المقال بصفتي فنان شعبي ممارس لفن العيطة
"شيخ"، وعازف كمان "كوامانجي" لمجموعة الشيخات، أعطي تعريفي
الخاص وانطباعي الشخصي عن الشيخة لكل باحث ومهتم..
النشـرة
الإخبـارية
الحسيـن السطاتـي
الشيخة هي تلك الفنانة الشعبية، عشقت حرفة الشيخة وامتهنتها لكنها تكره أن يقال لها أو عنها شيخة، وهي ظاهرة عصية على الفهم، حار في أمرها دارسو علم الأنتروبولوجيا والأنترو ميزيكولوجيا. وحيرت العديد من الباحثين والمتطرفين المتشددين.
الشيخة هي مخلوق هلامي، غير قابل للانقراض، فهي تختفي و تعود لتظهر من جديد، خفاشية العيش تنشط بالليل و تستريح بالنهار.
الشيخة هي ذلك الجسد المرمري المربرب الثائر المتمرد الذي يخافه الرجال قبل النساء، والذي يعذب الذكور ويقهر الإناث، هي تلك المرأة الجريئة الوقحة والخطيرة... التي تركت الاحتشام ولبست ثوب الابتذال، ينظرون إليها نظرة دونية وقدحية، الكل يرشقها ويرجمها لكن لا يريدونها أن تموت، يرغبون أن يتركونها حية ليستمعوا إليها ويستمتعوا بها متى يشاؤون، محبوبة بالليل ومنبوذة بالنهار.
الشيخة في نظر الرجال مغنية وغانية غاوية: قوادة ومومس، لا يريدونها أن تصاحب أو تصادق نسائهم، وفي نظر النساء فنانة، فاتنة وفتانة، ساقطة لاقطة، وناشطة نشيطة، خاطفة رجال وبائعة هوى، لا يردنها أن تصاحب أو تصادق رجالهن... لكن في الليل تجدهم خلال السهر والسمر يجتمعون ويتجمعون حولها فاغري الأفواه، يتخاطفون فيها، هذا يريد لمسها، وآخر يتمنى لثمها وتقبيلها وعناقها أمام الملأ، وذاك يسأل عن العنوان ورقم الهاتف، وآخر يريدها له لوحده حيت بدونها لا تكتمل فرحتهم وفرجتهم، تغني وترقص لهم، تفرحهم، تسعدهم وهم يؤلمونها ويحزنونها، تضحكهم وهم يبكونها، تزرع الفرح وتحصد القرح، توزع الابتسامات وتجني العبرات، هي التي يدفعون لها مقابل إهانتهم ويلتقطون معها الصور للذكرى، ويمزقون ويلوثون، ويشوهون صورتها الحقيقية، هي المرأة الهاربة من النار إلى الجمر.
عزيزي الباحث والمهتم بالشيخة، لا تخاف عن مصير هذه المخلوقة، رغم أنه لا يمكن تكوينها في مقاعد الدراسة، أو بالجامعات أو بالمعاهد ولا بمراكز التكوين، ولا عن طريق دروس المراسلة، لأنها "معقدة" خليط متجانس معقد، اجتمع فيه القهر والتعذيب والبؤس والشقاء والحرمان، والاستعباد. لأن الشيخة هي عصارة لمجتمع ذكوري نرجسي متغطرس، متخلف، دكتاتوري ينشد الطهارة والعفة، قوم يدعون الطهرانية وهم أكثر نذالة وعهر، يزعمون أنهم يحمون الفضيلة وهم مصدر الرذيلة.
الشيخة هي تلك المرأة البدوية الأصل المهمشة الموطن، صنيع دكتاتورية وعنف جماعي: الأب، والأخ والعم والخال والصديق والعدو، الحبيب والزوج...و..و..، نتيجة اغتصاب يومي مقنن بعقد من طرف زوج في سن جدها ارتضته صاغرة، مرغمة وكارهة، فرض عليها بدعوى العادات والتقاليد...
الشيخة في نظرهم هي تلك الأفعى السامة القاتلة، التي تزرع الرعب من حولها أينما حلت، كلهم يعجبهم مظهرها، شكلها، وملمسها الناعم المخملي، تسحرهم بإلتواءاتها وانتناءاتها، وصوت فحيحها وزغرودتها، يتفرجون فيها، لكن لا أحد يريدها أن تكون في داره أو في فراشه، لا يرغبون أن تكون منهم أو إليهم.
الشيخة هي ذلك الجسد الثائر المتمرد الذي تحدى التقاليد والأعراف، وتخلى عن المبادئ، هي تلك الأرداف الممتلئة المكتنزة الراقصة والمتراقصة، والبطن المهتز المتلولب، والنهد الضرعي النافر المتزلزل والمزلزل، والوجه المجمل المختفي وراء أصباغ رخيصة واهية...
الشيخة هي تلك القطة الجميلة التي كانت ناعمة وديعة، وبكثرة ما عذبت وتألمت صارت نمرة مكشرة شرسة، هي تلك اللبوءة التي تستأسد في غابتها بزئيرها وقوتها، حيث يفر منها الذكور بعدما تكون قد استولت على ما بحوزتهم. الشيخة هي تلك الفرس الجامح الباحثة عن فارس لاجم، داخل "المحرك"، وسط "الحفلة"، تصهل صهيلا متواصلا، قبل أن تنطلق راكضة في الأرجاء، "تتشيخ" تنظر بقوة في أعين اللاهثين وترميهم بنظرات ازدراء وتحدي، تتركهم قتلى لجموحها وقسوتها، تستهزئ بهم و تتجاهل تواجدهم، فتنطلق راقصة وهي ترفع رأسها في شموخ. تتنقل وسط الغرباء تلفت انتباههم، وتشد اهتمامهم، وتفضح بجرأتها رغباتهم الدفينة المكبوتة.
عزيزي الباحث المهتم بفن الشيخات، إن شيخة الأمس كانت "قائدة" تتحدى أهلها والمجتمع ليعلو صوتها شدوا، وهي شاعرة منشدة قبل أن تكون راقصة، هي الصوت الذي كان يستأجره الرجل والمرأة، والضعيف، والمظلوم، ليحتج على كل ذي سلطان، كانت هي صحافة الاحتجاج، قبل أن تكون مجرد شكل جميل يرقص...لا تخف على الشيخة من الانقراض و الزوال، لأنني شيخ "كوامانجي" وأعرفهن جيدا...فكلما عرفت شيئا عنهن، أعرف أنني أميا ولا أعرف إلا القليل في عالمهن الغريب، إنني أتلقى العديد من العروض وطلبات كثيرة من نساء أغلبهن بدويات الأصل، يردن ولوج عالم "تشياخيت"، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأننا مجتمع ننتج الشيخات بفائض ونصنعهن وقد نصدرهن إلى الخارج، لكثرتهن وجودتهن، لا تخف مادام هناك تعذيب، تعنيف واحتقار للمرأة وقمع لحريتها واختياراتها .
عزيزي الباحث والمهتم ( المتفتح، المنفتح، المتحضر، المتمدن، المثقف،
والحداثي...)، الذي يهمه أمر الشيخة، أقول لك لا تخف عليها، ولا تلمع وتزيين
صورتها ، شكرا لك ، لأن الشيخة لا تحتاج إلى من يزين صورتها و يضع لها
"المكياج"، لأنها هي المرأة الوحيدة في العالم التي تجمل صورتها و تزين
وجهها و تضع "مكياجها" وهي محاطة بمآت الرجال في الحفلة، غير معترفة
برجولتهم، فبعدما تنتهي من شطحاتها ودحرجاتها وسطهم، تحمل حقيبتها وتجلس على كتف
أحدهم وتمرر أحمر الشفاه بمهل وتمهل على شفتيها، وهم فاغري الأفواه مشدوهين
بجرأتها...تبصق على من لمسها، وتخطف سيجارة من فم أحدهم، تمجها في تلذذ وانتشاء و
تنفث دخانها في وجوههم، وتنثر ثفيفها على رأس آخر، وتركل الثالث، وهم ينتشون و
يتلذذون بإهانتها لهم. هي المرأة التي أهانها رجل فأهانت كل الرجال...
الشيخة يا عزيزي، هي أم ليست كالأمهات، تعشق الأمومة وتخاف منها، تحمل أعباء الزوج والأبناء بشقاء، تعطي بسخاء وتأخذ بجفاء.. هي تلك الأم التي ترقص على أحزانها، وتغني على حظها العاثر، هي الأم التي تريد أن تخبر العالم أنها امرأة صالحة لها بيت، زوج وأبناء.. لكن أبناءها لا يريدون أن يقال لهم "أولاد الشيخة".. الشيخة هي تلك المرأة التي يسهل طلاقها، ولا يجد طليقها صعوبة في إسقاط حضانتها لأبنائها، بكل بساطة لأن الكل سيشهد له بأنها شيخة... عزيزي المهتم والباحث: إن هذه المخلوقة المزعومة أنها شيخة، إذا أحبت أعطت كل شيء قلبا وقالبا، بدون تصنع ولا نفاق، ولا مواربة، لكنها عندما تحس بالغدر فهي تعذب بسادية ووحشية: تذبح، وتسلخ، وتقطع، ثم تقلي في الزيت...
الشيخات مومياءات حنطهن المغاربة في محراب هرم العيطة، يحسبونهن في النعيم وهن في الجحيم، فحذاري من لعنتهن، الشيخة لا تخاف الموت لأنهم قتلوا فيها الأنثى، فهي ميتة حسيا، قتلوها بقذائف نظراتهم ورصاص كلامهم. فهي لا تخاف من أحد ولا تهاب السجن، لأنها بكل بساطة، أصلا تعيش بيننا في سجن مفتوح.
الشيخة يا عزيزي، هي أم ليست كالأمهات، تعشق الأمومة وتخاف منها، تحمل أعباء الزوج والأبناء بشقاء، تعطي بسخاء وتأخذ بجفاء.. هي تلك الأم التي ترقص على أحزانها، وتغني على حظها العاثر، هي الأم التي تريد أن تخبر العالم أنها امرأة صالحة لها بيت، زوج وأبناء.. لكن أبناءها لا يريدون أن يقال لهم "أولاد الشيخة".. الشيخة هي تلك المرأة التي يسهل طلاقها، ولا يجد طليقها صعوبة في إسقاط حضانتها لأبنائها، بكل بساطة لأن الكل سيشهد له بأنها شيخة... عزيزي المهتم والباحث: إن هذه المخلوقة المزعومة أنها شيخة، إذا أحبت أعطت كل شيء قلبا وقالبا، بدون تصنع ولا نفاق، ولا مواربة، لكنها عندما تحس بالغدر فهي تعذب بسادية ووحشية: تذبح، وتسلخ، وتقطع، ثم تقلي في الزيت...
الشيخات مومياءات حنطهن المغاربة في محراب هرم العيطة، يحسبونهن في النعيم وهن في الجحيم، فحذاري من لعنتهن، الشيخة لا تخاف الموت لأنهم قتلوا فيها الأنثى، فهي ميتة حسيا، قتلوها بقذائف نظراتهم ورصاص كلامهم. فهي لا تخاف من أحد ولا تهاب السجن، لأنها بكل بساطة، أصلا تعيش بيننا في سجن مفتوح.
فنان
شعبي شيخ العيطة
و"كوامانجي" لمجموعة الشيخات
مقال رائع و متكامل
ردحذف