الجمعة 12 أبريل 2019
مقـالات الـرأي
الواقع الفلسطيني يستنجد الماضي ليصافح الحاضر
النشـرة الإخبارية
فادي أبو بكر
إن
الهدف من إحياء التاريخ الشفوي لأي مجتمع كان، هو الوصول إلى فهم عميق للتغيرات
الهيكلية التي أصابت المجتمع، وعلاقته بالسلطة، دون أن تكون الأخيرة من تقصّ على
المجتمع تاريخه من أعلى. حيث أن التاريخ الشفهي يعد النوع الوحيد من أنواع التاريخ
الذي يمكن عن طريقه مواجهة صناع التاريخ وجهاً لوجه. ومن هنا فإن إحياء التاريخ
الشفوي الفلسطيني ضرورة حيوية في مواجهة الرواية الاستعمارية التي يحاول قاصها
جاهداً بكل الوسائل المتاحة أن يهوّد الأرض والإنسان و يصهر وعي الأجيال اللاحقة،
وما مقولة أول رئيس وزراء لحكومة الاحتلال الإسرائيلي ديفيد بن غوريون:
"الكبار يموتون والصغار ينسون"، إلا خير شاهد على ذلك، ولن يتم تثبيت
هذه المقولة ولا كل المحاولات التي تندرج خلفها، إلا إذا كان الفعل الفلسطيني
المجابه يتواءم مع القاعدة التي تقول: "الماضي يسلم على الحاضر".
على
الرغم من الجهد المبذول وأهمية ما تم إنجازه في مجال الرواية الشفوية الفلسطينية،
إلا أن الفائدة لم تتحقق بعد لأن هذا الجهد ما زال مبعثراً ومهدداً بالضياع لغياب
المؤسسات التي ترعاه. حيث تبقى هذه المجهودات التفاتة لضرورة توسيع الاهتمام
لتوثيق الفعل الفلسطيني المقاوم في مختلف المراحل، وسطوة صورة الفدائي الفلسطيني،
الذي لم يكن خروجه عبثاً، بل تراكماً لخبرات وتجارب تأسست منذ نكبة عام 1948 والتي
شكلت نقطة تبلور الهوية الفلسطينية.
يحتفظ
الكثير من الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم بقصص وحكايا تنتظر من يهتم بتوثيقها
ودراستها قبل فوات الأوان .. تجارب تنتظر أن يتم تأريخها وأرشفتها بشكل دقيق، وفحص
أثرها في تجارب المقاومة التالية بكافة أشكالها ووسائلها المختلفة. وليست هذه
الحكايا وحدها من تنتظر، بل الواقع الفلسطيني بكافة تفصيلاته الاجتماعية والثقافية
والسياسية ينتظر بشغف أن يسلم الماضي على الحاضر ويصافحه بقوة.
في
سياق آخر، أدّى التقصير الكبير في هذا الجانب إلى بروز كماً هائلاً من الشخصيات
الهلاميَّة والكرتونية - إذا صحَّ التعبير - في الساحة وطفت على السطح، وتصدّرت
المشهد، بل ووصلت إلى مراكز قيادية أحياناً، مسطرين تاريخهم بالدراما الوطنية
الكاذبة التي نراهم يمثلونها أمام عدسات كاميرات الإعلام، ونجاحهم في استقطاب
تعاطف الرأي العام أحياناً لم يأتِ إلا من باب الفراغ الذي تركه تقصيرنا بحق أولئك
الذين سطروا تاريخهم من زهرات أعمارهم ودمائهم وصمودهم الأسطوري في ساحات النزال المختلفة .
الشعوب
بحاجة دائمة إلى رموز وطنية وقيادات شعبية تستمد منها القيم والمبادئ وأسلوب
الحياة ومن هذا المنطلق فإنه "حرام وطنياً" أن نحرم الفلسطينيين من
الإطلاع على تفاصيل مراحل تاريخية فارقة في التاريخ الفلسطيني، فتأريخ تاريخنا
الشفوي واجب وطني وخير ضمان لمشروعنا الوطني الفلسطيني. حيث أن عملية إحياء
التاريخ الشفوي هي مدعاة افتخار وتقدير من قبل الجميع، ومدعاة لعزتنا ومبعثاً
لهيبتنا، لاسيما من جيل الشباب الذي يبحث عن القيم للتمثل بها.
كاتب وباحث
فلسطيني
fadiabubaker@hotmail.com
0 التعليقات:
إرسال تعليق